فصل: تفسير الآية رقم (12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الشعراوي



.تفسير الآية رقم (9):

{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)}
وقد وردتْ قصة أهل الكهف نتيجة لسؤال كفار مكة الذين أرادوا أنْ يُحرجوا رسول الله، ويُروى أنهم أرسلوا رجلين منهم هما: النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أهل الكتاب في المدينة ليسألوهم عن صدق رسول الله، وما خبره عندهم، وما ورد عنه في كتبهم.
وقد كان يهود المدينة قبل البعثة يتوعدون الأوس والخزرج عباد الأصنام ببعثة النبي الجديد، يقولون: لقد أطلَّ زمان نبيٍّ نتبعه ونقتلكم به قَتْل عاد وإرم؛ لذلك رغب أهل مكة في سؤال يهود المدينة عن صدق رسول الله، فلما ذهب الرجلان إلى يهود المدينة قالوا: إنْ أردتُمْ معرفة صدق محمد فاسألوه عن ثلاثة أشياء، فإنْ أجابكم فهو صادق، اسألوه: ما قصة القوم الذين ذهبوا في الدهر مذاهب عجيبة؟ وما قصة الرجل الطوّاف الذي طاف الأرض شرقاً وغرباً؟ وما الروح؟
وفعلاً ذهب الرجلان إلى رسول الله، وسألاه هذه الأسئلة فقال صلى الله عليه وسلم: «أخبركم بما سألتم عنه غداً» وجاء غد وبعد غد ومرَّت خمسة عشر يوماً دون أنْ يُوحَى لرسول الله شيء من أمر هذه الأسئلة، فشقّ ذلك على رسول الله وكَبُر في نفسه أنْ يعطِي وَعْداً ولا يُنجزه.
وقالوا: إن سبب إبطاء الوحي على رسول الله في هذه المسألة أنه قال: «أخبركم بما سألتم عنه غداً» ولم يقُلْ: إنْ شاء الله؛ ولذلك خاطبه ربه تبارك وتعالى بقوله: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله..} [الكهف: 23-24].
وهذه الآية في حَدِّ ذاتها دليل على صدق رسول الله، وعلى أدبه، وعلى أمانته في البلاغ عن ربه عز وجل، وقد أراد الحق سبحانه أن يكون هذا الدرس في ذات الرسول ليكون نموذجاً لغيره، وحتى لا يستنكف أحد إذا استُدرك عليه شيء، فها هو محمد رسول الله يستدرك عليه ربه ويُعدِّل له.
فكأن قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله..} [الكهف: 23-24] تربية للأمة في شخصية رسولها حتى لا يستنكف المربَّى من توجيه المربِّي، ما دام الهدف هو الوصول إلى الحقيقة، فإياكم أن ترفضوا استدراك رأي على رأي حتى وإنْ كان من الخَلْق، فما بالك إنْ كان الاستدراك من الخالق سبحانه، والتعديل والتربية من ناحيته؟
وإليك مثال لأدب الاستدراك ومشروعية استئناف الحكم، لقد ورد هذا الدرس في قوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الحرث إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ القوم وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78].
فكان حكم داود عليه السلام في هذه المسألة أنْ يأخذ صاحب الزرع الغنم التي أكلتْ زرعه، فلما بلغ سليمان هذه الحكومة استدرك عليها قائلاً: بل يأخذ صاحب الزرع الغنم ينتفع بها، ويأخذ صاحب الغنم الزرع يُصلحه حتى يعودَ إلى ما كان عليه، ثم تعود الغنم إلى صاحبها، والزرع إلى صاحبه.
لذلك قال تعالى بعدها: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ..} [الأنبياء: 79] ولم يتهم داود بالخطأ، بل قال: {وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً..} [الأنبياء: 79].
ونلحظ هنا أن الاستدراك لم يَأْتِ من الأب للابن، فيكون أمراً طبيعياً، بل جاء من الابن للأب ليؤكد على أنه لا غضاضة أنْ يستدرك الصغير على الكبير، أو الابن على الأب، فالهدف هو الوصول إلى الحق والصواب، ونبيّ الله سليمان في هذه المسألة لم يغُضّ الطرف عن هذا القصور في حكومة أبيه، بل جهر بالحق ونطق به؛ لأن الحق أعزّ من أيِّ صلة حتى لو كانت صلة الأبوة.
ومن هذه القضية نعلم استدراك الخَلْق على الخَلْق أمر طبيعي ومقبول لا يستنكف منه أحد، ومن هنا جاءت فكرة الاستئناف في المحاكم، فلعل القاضي في محكمة الاستئناف يستدرك على زميله في المحكمة الابتدائية، أو يقف على شيء لم يقف عليه، أو يرى جانباً من القضية لم يَرَهُ.
ولنا هنا وَقْفة مع أمانته صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن الله، وأنه لم يكتم من الوحي شيئاً حتى ما جاء في عتابه والاستدراك عليه، فكأنه أمينٌ حتى على نفسه، فالرسول هو الذي بلغنا: {وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً} [الكهف: 23] وهو الذي بلَّغنا: {ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ الله لَكَ} [التحريم: 1].
وهو الذي بلغنا في شأن غزوة بدر: {عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ..} [التوبة: 43] وغيرها كثير من آيات القرآن؛ لذلك مدحه ربه تعالى بقوله: {وَمَا هُوَ عَلَى الغيب بِضَنِينٍ} [التكوير: 24].
حتى في مجال التهديد والوعيد لم يكتم رسول الله من الوحي حرفاً واحداً، انظر إلى قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} [الحاقة: 44-46].
إنها الأمانة المطلقة والصدق الذي لا يُخفِي شيئاً.
ألم يكُنْ جديراً بالقوم أنْ يفقهوا هذه الناحية من رسول الله، ويتفكّروا في صِدْقه صلى الله عليه وسلم حين يُخبرهم عن نفسه أشياء لم يعرفوها، وكان من المنتظر أنْ يُخفيها عنهم؟ أليس في ذلك دليلاً قاطعاً على صدقه فيما يقول؟
والحق تبارك وتعالى حينما يعلمنا أن نقول: إن شاء الله إذا أقدمنا على عمل في المستقبل إنما يُكرّم عبده ويحميه حتى لا يُوصَف بالكذب إذا لم يُحقِّق ما وعد به، وليس في قولنا: إنْ شاء الله حَجْر على أحد، أو تقييد لطموحات البشر كما يدّعي البعض أن قول إنْ شاء الله يلغي التخطيط للمستقبل.
نقول: خَطِّط كما تريد، ودَبِّر من أمرك ما شئت، واصنع من المقدمات ما تراه مناسباً لإنجاح سعيك، لكن ما عليك إنْ قرنتَ هذا كله بمشيئة الله، وهي في حَدِّ ذاتها عَوْنٌ لك على ما تريد، فإنْ أخفقتَ فقد جعلتَ لنفسك حماية في مشيئة الله، فأنت غير كاذب، والحق تبارك وتعالى لم يشأ بَعْدُ أنْ تنجزَ ما تسعى إليه.
والحقيقة أن الحدث في المستقبل لا يملكه أحد، ولا يضمنه أحد إلا الله تبارك وتعالى؛ لذلك عليك أن تعلق الفعل على مشيئة الله، فإنْ قُلْتَ مثلاً: سأقابل فلاناً غداً لأكلمه في كذا، فهل تملك أنت من عناصر هذا الحدث شيئاً؟
أضمنتَ أن تعيش إلى غد؟ أضمنتَ حياة فلان هذا إلى الغد؟ أضمنتَ أن موضوع المقابلة باق لا يتغير فيه شيء، ولا يطرأ عليه طارئ؟ إذن: فكيف تقطع بالقول أنك ستفعل غداً كذا؟ قل: إن شاء الله، واخرج من دائرة الحرج هذه.
نعود إلى الآية التي نحن بصددها فالحق سبحانه يقول: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الكهف والرقيم كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً} [الكهف: 9].
{أَمْ} حرف من حروف العطف، ويفيد الإضراب عَمَّا قبله وتوجيه الاهتمام إلى ما بعده، كما في قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور..} [الرعد: 16].
فالمراد: إنْ سألك كفار مكة عن مسألة أصحاب الكهف على أنها معضلة يريدون إحراجك بها، فدعْكَ من كلامهم، ودَعْك من سوء نيتهم، ولا تحسب أن أهل الكهف هي العجيبة الوحيدة لدينا، فالعجائب عندنا كثيرة، وهذه واحدة منها.
و{الكهف}: الفجوة في الجبل و{والرقيم} الشيء المرقوم أي: المكتوب عليه كحجر أو نحوه، ولعله حجر كان على باب الكهف رُقِم عليه أسماء هؤلاء الفتية، ومن ذلك قوله تعالى: {كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} [المطففين: 9] أي: مكتوب.
وقوله: {كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً} [الكهف: 9] أي: ليست هذه هي العجيبة الوحيدة، فكل آياتنا عجيبة تستحق التأمل.
ثم تأخذ الآيات في تفصيل هذه العجيبة، فيقول تعالى: {إِذْ أَوَى الفتية إِلَى الكهف فَقَالُواْ رَبَّنَآ ءَاتِِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً..}.

.تفسير الآية رقم (10):

{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)}
{أَوَى} من المأوى، وهو المكان الذي يأوي إليه الإنسان ويلجأ إليه {الفتية} جمع فتى، وهو الشاب في مُقْتبل العمر، والشباب هم مَعْقِد الآمال في حَمْل الأعباء والنهوض بكل أمر صعب، وهؤلاء شباب مؤمن وقفوا يحملون راية عقيدتهم وإيمانهم أمام جبروت الكفر وطغيان الشرك، فالفتاء فيهم فتاء إيمان وعقيدة.
لذلك لجأوا إلى الكهف مُخلِّفين وراءهم أموالهم وأهلهم وكل ما يملكون، وفرُّوا بدينهم إلى هذا المكان الضيق الخالي من أيِّ مُقوِّم من مُقوِّمات الحياة؛ لأنهم لا يشغلون أنفسهم بهذه المقوّمات، بل يعلمون أن لهم رباً سيتولى أمرهم؛ لذلك ضَرَعُوا إليه قائلين: {رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً..} [الكهف: 10] أي: رحمة من عندك، أنت ترحم بها ما نحن فيه من انقطاع عن كل مُقوِّمات الحياة، فالرحمة في فجوة الجبل لن تكون من البشر، الرحمن هنا لا تكون إلا من الله: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} [الكهف: 10] أي: يَسِّر لنا طريقاً سديداً للخير وللحق.
إن هؤلاء الفتية المؤمنين حينما ألجأهم الكفر إلى ضيق الكهف تضرَّعوا واتجهوا إلى ربهم، فهو وحده القادر على أن يُوسّع عليهم هذا الضيق، كما قال تعالى: {فلولا إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ..} [الأنعام: 43].
ثم يقول الحق سبحانه: {فَضَرَبْنَا على ءَاذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً}.

.تفسير الآية رقم (11):

{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)}
يُقَال: ضُرِب الفسطاط على الأرض يعني الخيمة، أي: غُطِّيتْ الأرض بها بعد أنْ كانت فضاءً، والضرب: أن تلمس شيئاً بشيء بشدة شريطة أن يكون المضروب به أقوى من المضروب، وإلاّ كان الضارب ضارباً لنفسه.
لذلك، فالشاعر عندما تكلم عن المعترضين على القدر قال:
أَيا هَازِئاً مِنْ صُنُوفِ القَدَرِ ** بنفْسِكَ تُعنف لاَ بالقَدَر

وَيَا ضَارِباً صَخْرةً بِالعَصَا ** ضَربْتَ العَصَا أَمْ ضرَبْتَ الحَجَر؟

فمعنى: {فَضَرَبْنَا على آذَانِهِمْ..} [الكهف: 11] أي: غطيناها بغطاء محكم يحجبهم عن العالم الخارجي، والضرب على آذانهم هو الرحمة التي دعوا الله بها وطلبوها؛ لأن الإنسان الذي يحمل الفأس مثلاً ويعمل بها إنْ تعب وأجهده العمل يقف بعض الوقت ليستريح، فإنْ تعب من الوقوف قعد، فإنْ تعب من القعود استلقى واضطجع، فإنْ لم يسترح فلا يبقى إلا أن ينام، ففي النوم تهدأ الأعصاب، ويستريح الإنسان، حتى مع الآلام في أعنف الأمراض إذا نام المريض لا يشعر بشيء من الألم؛ لذلك اختار لهم ربهم هذا الوضع ليريحهم به طوال فترة مُكْثهم في الكهف.
فالحق سبحانه إذن هو الضارب، والمضروب هو الآذان، والضرب على الآذان هنا للرحمة لا للعذاب؛ لأن الله تعالى أراد لهم أقصى درجات الراحة والنوم الهادئ الذي لا يُعكّر صَفْوه شيء، والنوم هو الراحة التامة التي تطغى على الآلام العضوية في الذات الإنسانية.
وقد أختار الحق سبحانه الضرب على آذانهم؛ لأن حاسة السمع هي أول الحواس عملاً في الإنسان، وهي أول آلة إدراك تُؤدّي مهمتها في الطفل، كما قال الحق سبحانه وتعالى: {والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
هذه الحواس هي منافذ العلم والإدراك للإنسان، فلو وضعتَ أصبعك أمام عين الطفل المولود تراه لا يرمش؛ لأنه لا يرى إلا بعد ثلاثة إلى عشرة أيام، أما لو صرختَ في أُذنه فإنه ينتبه فحاسة السمع تؤدي مهمتها منذ ولادته. وكذلك فالأذن تمتاز أيضاً بأنها الإدراك الوحيد الذي لا يتعطل ولا يتوقف أثناء النوم لأن بها يتم الاستدعاء من النوم.
وهؤلاء الفتية دخلوا وأَوَوْا إلى الكهف، وهو فَجْوة في جبل في صحراء وهي عُرْضة للعواصف والرياح وأصوات الحيوانات وأشياء كثيرة يمكن أن تزعج النائم، فلو تركهم الخالق سبحانه في نومهم هذا على طبيعتهم لأزعجتهم هذه الأصوات وأقلقتْ راحتهم؛ لذلك عطّل حاسة السمع عندهم، وبذلك استطاعوا أن يناموا كل هذه المدة.
ثم يقول تعالى: {فِي الكهف سِنِينَ عَدَداً} [الكهف: 11] ومعنى عدداً أي: سنين كثيرة؛ لأن القليل لا يُعَدُّ لأنه معروف، فإنْ ذكر العدّ فاعلم أنه للشيء الكثير، كما تقول: فلان عنده مليون عَدّاً ونقداً.
ثم يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً}.

.تفسير الآية رقم (12):

{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)}
{بَعَثْنَاهُمْ} أي: أيقظناهم من نومهم الطويل، وما داموا قد ناموا فالأمر إذن ليس موتاً إلا أنهم لما طالتْ مدة نومهم شبَّهها بالموت: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الحِزْبَيْنِ..} [الكهف: 12] أي: الفريقين منهم؛ لأنهم سأل بعضهم بعضاً عن مُدَّة لُبْثهم فقالوا: يوماً أو بعض يوم.
أو: المراد الفريقان من الناس الذين اختلفوا في تحديد مدة نومهم: {أحصى لِمَا لَبِثُواْ أَمَداً} [الكهف: 12] أي: لنرى أيّ الفريقين سيُقدِّر مُدّتهم تقديراً صائباً. والأمد: هو المدة وعدد السنين.
والمتأمل في الآيات السابقة يجد فيها ملخصاً للقصة وموجزاً لها، وكأنها برقية سريعة بما حدث، فأهل الكهف فتية مؤمنون فروا بدينهم إلى كهف من الكهوف، وضرب الله على آذانهم فناموا مدة طويلة، ثم بعثهم الله ليعلم مَنْ يحصي مدة نومهم، وهذه البرقية بالطبع لم تُعطِنَا تفصيلاً لكل لقطات القصة؛ لذلك تبدأ الآيات في التفصيل فيقول تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بالحق..}.